1ـ التصحيف في الفن الاسلامي:
لقد فرضت العقيدة الوحدانية، الراسخة في روحية الانسان العربي، على الفن العربي مبدأين، الأول هو (تصحيف) الواقع، أي تحوير معالمه الخاصة وتعديل نسبه وأبعاده وفق مشيئة الفنان. والمبدأ الثاني هو (تغفيل) الشكل والواقع، أي الابتعاد عن تشبيه الشيء بذاته، الى تمثيل الكلي والمطلق.
ولقد فسر سبب التصحيف تفسيرات مختلفة، فمن قائل ان الانسان ليس إلا مخلوقاً عاجزاً عن مضاهاة الله في قدرته الخالقة. وقد أوضح القرآن الكريم الفرق الواسع بين الله والانسان، والفرق بين وظيفة الخلق الخاصة بالله، ووظيفة العبادة المنوطة بالانسان (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم) آل عمران/ 6، أي لا خالق ولا مصور إلا هو. وبما أن الخلق في القرآن مقصود به خلق الانسان، لذلك كان تصوير الانسان باعتقادهم ونحته، من الأمور التي يضاهي فيها الانسان القدرة الإلهية، وفي الحديث: (مَن صور صورة في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ). ولهذا يلجأ المصور إلى التصحيف في الشكل وإلى تغيير معالم الوجه البشري لكي يتحاشى عذاب الله كما ورد في الحديث الشريف: (ان أشد الناس عذاباً يوم القيامة، الذين يضاهون بخلق الله).
وهناك مَن يرى أن التصحيف محاولة للتفريق بين العمل الفني الذي لا يهتم بالشكل الأساسي وإنما يهتم بأبعاد أخرى فنية وفلسفية، وبين صناعة الأصنام والتي حرمها الله بوضوح تبعاً لتحريمه الوثنية اطلاقاً.
2 ـ التغفيل:
والمبدأ الثاني الذي نتج عن الوحدانية في العقيدة العربية هو التغفيل في الفن، ويعتقد بعض المفكرين أن سبب هذا التغفيل هو العزوف عن الحياة في الدنيا واللجوء إلى الله دائماً موئل الانسان في الحياة الأخرى. (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) الحديد/ 20.
كان هدف الفنان العربي دائماً الاندماج الكلي في موضوعه، ولم يكن هدفه نقل الموضوع القائم في العالم الخارجي. فلم يكن من شأنه أن يؤكد انفصال الأشياء في ذاتها وهو المؤمن بوحدة الوجود. بل كان دوره يكمن في السعي، عن طريق الفن، الى الغاء الطبيعة المستقلة عنه،
3- البحث عن الجمال المحض أو عن المطلق:
عن طريق:
1 ـ عدم اعتبار الطبيعة والانسان مقياساً للجمال الفني.
2 ـ الاعتماد على الانفعال الذاتي الداخلي في عملية الابداع الفني دون الاعتماد على الحس المادي للأشياء الخارجية.
3 ـ التعبير عن المطلق.
4 ـ البحث عن الجمال المحض.
لقد كان المطلق عند العربي هو المثل الأعلى، هو الحق، هو الجوهر، هو الله. ولذلك سعى عن طريق الفن إلى ادراك الحق شأنه شأن الصوفي الذي كان يسعى عن طريق الاجتهاد إلى الاندماج بالله.